الدين .. ونظرية التطور ” الداروينية ” .. ( 2 )

بقلم دكتور / جاهين صديق

قبل ماندخل فى اشكالية الخلاف بين الدين ونظرية التطور ..
شايف اننا ناخد فكرة بسيطة عن ايه هى نظرية التطور .. ومين هو ” داروين “

تشارلز دارون ( 1809 – 1882 ) ..
عالم حيوان وتاريخ طبيعى انجليزى .. والده كان طبيب ..
درس تشارلز فى جامعة كامبريدج بكلية اللاهوت .. وكان بيعد نفسه ليصبح رجل دين فى خدمة الكنيسة .. لكنه قام برحلة بحرية سنة 1831 الى امريكا الجنوبية لمدة خمس سنوات .. غيرت اتجاهاته وكانت نقطة تحول فى حياته .. انشغل خلالها بدراسة النباتات والقشريات والحيوانات والطيور والحفريات التى رآها خلال رحلته.
وتحول الى عالم أحياء وجيولوجيا .. وعاد الى لندن ورأسه محمل بالأسئلة :

  • ليه عنق الزرافة طويل ؟؟ أم يكون استطال مع مرور الزمن للوصول الى اعلى قمم الاشجار ؟
  • ليه الارانب اللى بتلعب على التلج لونها أبيض ؟ ولا هى اكتسبت اللون ده علشان تقدر تختفى من الثعالب؟
  • ليه طائر البنزون منقاره بيختلف بإختلاف المكان اللى بيعيش فيه ؟
  • ليه ” الماموث ” المنقرض ( اللى شبه الفيل ) جلده السميك متغطى بشعر ؟ ولا هو اكتسب الشعر ده مع بدء العصر الجليدى ؟
    ومع هذة الأسئلة .. ألف سؤال وسؤال .. التى تحولت بالدراسة والتنقيب .. إلى صفحات كتابه المتفجر ” أصل الأنواع” ونظرية التطور ..
    وان كل انواع المخلوقات الحيه من اصل واحد .. وكل الكائنات الحية تطورت من خلية واحدة تكاثرت الى خلايا عديدة ..
    وان الكائنات الحية تكونت فى البداية من اتحاد جزئات الأكسجين مع جزيئات الهيدروجين وكونت الماء .. وعلى مدار ملايين السنين وعبر العصور الجيولوجية ومع تفاعل الماء مع العناصر الكيميائية الموجودة فى التربة .. حدثت طفرات تولد من خلالها الكائنات الحية وحيدة الخلية واللى تنوعت فى اشكالها وانواعها .. ومنها بدات المملكة النباتية عن طريق الطحالب .. وتنوعت الممملكة النباتية وترقت الى النباتات العليا .. ثم الى المملكة الحيوانية .
    والحفريات التى وجدت تدل على هذا التسلسل البيولوجى للكائنات الحية .. بمعنى انه وجدت حفريات لكائنات أولية وحشرات فى طبقات الارض السفلى ( وهى تدل على عصور قديمة ).. وكلما اتجهنا للأعلى وجدنا حفريات لكائنات أعلى حتى وصلنا الى الطبقات العليا من الارض وجدت حفريات الكائنات العليا . ده بالاضافة الى تطور العلم والقدرة على الوصول الى عمر الحفرية بواسطة التحليل الاشعاعي ونظرية ” عمر النصف ” للنظائر المشعة زى اليورانيوم والكربون.
    و ان الطريقه اللى بتسبب التغييرات او تطور المخلوقات الحيه اسمها:
    ” الاختيار الطبيعي Natural Selection ” والبقاء للاصلح ..
    والكائن اللى بينجح فى التكيف مع البيئه يستطيع تغيير جيناته .. ويورث الجينات الجديدة للجيل اللى بعده .
    والكائنات التى لم تستطع التكيف مع البيئة بتقل قدرتها على البقاء .. عشان كده ممكن تنقرض.

ثم ألف داروين عام 1871 كتاب “ظهور الإنسان” .. اللى شرح فيه تطور الانسان من أسلاف الكائنات الحية التى نشأت وتطورت تدريجيا من المادة غير الحية في مرحلة مبكرة من التاريخ الجيولوجي للأرض .. وأن كل العوامل التي ساعدت على ظهور الكائن الحي لأول مرة ما زالت موجودة الآن .. إلا أن الصدفة وحدها هي التي جمعت عناصر الأمونيا وأملاح الفسفور والضوء والحرارة والكهرباء لتكوين مركب البروتين .
وأضاف أن الأنواع لم تنشأ بشكل منفصل أو مستقل عن بعضها البعض .. وأن الإنتخاب الطبيعي كان هو العامل الرئيسي وراء التغيير وبأن الأنواع تتفرع من أصل وسلف مشترك.

باختصار كدة .. الكون بدأ من اتحاد جزيئات الاكسجين مع الهيدروجين .. لتكوين الماء .. ثم بعد الاف السنين اتحدت الماء مع العناصر الموجودة فى التربة مع بعض العوامل الخارجية لتكوين البروتين .. وبعد الاف السنين تكونت الكائنات وحيدة الخلية .. – وعبر ملايين السنين – تكونت الكائنات الاولية متعددة الخلايا .. ومنها الى الطحالب والدخول فى المملكة النباتية .. وتطورت المملكة النباتية الى النباتات العليا .. ومنها الى المملكة الحيوانية .. ومنها الى الزواحف إلى الطيور إلى الثدييات إلى الحيوانات العليا ومنها القرود والشامبانزى ومنها الى الانسان البدائى “الهومو إركتوس” شبه انسان منتصب القامة ..
ثم الى إنسان ” النياندرتال ” .. ثم الى ” هومو سابيانس ” وهو الانسان العاقل بشكله الحالى .

وطبعا بمجرد ظهور هذا الكتاب .. تم اتهامه من قبل الكنيسة ب ” الهرطقة ” ..
وبمجرد وصول هذة الافكار لمنطقتنا الشرقية .. تم اتهامه بالكفر والزندقة من قبل جميع الديانات ( الاسلام والمسيحية واليهودية ).
لان نظرية داروين .. بتنفى نظرية ” الخلق المنفرد ” لآدم الدينية .. وخلق الكون فى ستة ايام .. وتنفي خلق الله المباشر لآدم على صورته .
وطبعا الحديث عن كيفية نشأة الخلية الأولى التي دُبت فيها الحياة ( صدفة أو عن طريق الطفرة ) مش موضوعنا .. وفى نفس الوقت لم يكن يشغل دارون .. ولازال الجدل قائمًا بين المؤمنين .. وبين الملاحدة الذين يقرون أنها نشأت نتيجة تفاعلات كيميائية .. أو ممكن تكون نتيجة مجيئها على نيزك من خارج كوكب الأرض .. على أية حال ده مش موضوعنا.

لكن اللى شاغلنا هو موضوع تطور الكائنات ..
النظرية ب تؤكد بأننا والقردة ننتسب لجد واحد .. على الرغم بأن التاريخ المشهود والمكتوب ومن أكثر من سبعة آلاف سنة لغاية النهاردة .. لم يشهد ولا حتى حالة واحدة على تحول قرد لإنسان .

وبالرغم من وجود الكتير من الحلقات المفقودة داخل نظرية التطور .. وظهور العديد من النظريات فى الغرب الرافضة لنظرية التطور .. يطل علينا السؤال الأهم :
هل نظرية التطور مجرد تصور خاطئ وافتراضات وهمية ؟؟ ..
ولا هى نظرية علمية صحيحة وحقيقة لم تكتمل معالمها ..

ولكن نفسر بإيه التقارب الشديد بين القردة العليا زى الشامبانزى وبين الانسان .. فى تركيبه العضوى وجهازه الهيكلي العظمي وجهازه العضلى وجهازه العصبى وجهازه الهضمي والأوعية الدموية .. وحتى فى كيمياء الدم .. والتكوين الجنيني بالاضافة الى التشابهة الكبير على مستوى “الجينوم” .

ونفسر ب إيه .. وجود بقايا ومخلفات من عصور قديمة داخل جسد الإنسان الحالى ..
توجد أعضاء داخل جسد الإنسان .. كانت ليها استخدام زمان .. لكن مع مر العصور ضمرت وتعطلت وظائفها .. وأصبحت بلا فائدة .. زي الزائدة الدودية موجودة فى جهازنا الهضمى ومالهاش أى دور في عملية الهضم .. ولكن تفترض نظرية التطور انه كان ليها دور في عصور قديمة .. لما كان الانسان بيعتمد فى أكله على النباتات فقط .
وعضلات الأذن والتي تساعد على تحريك الأذن واللى ما زالت موجودة عند الكلب والأرنب .. لسة موجودة عندنا ومالهاش اى لازمة .
وضرس العقل والذي لم يعد متناسبًا مع حجم الفك الحالي للإنسان .. وبيعمل مشاكل اول ما يطلع ونضطر نشيله .. وعلي فكرة درس العقل بدأ ينقرض وحوالي ٣٠٪؜ من البشر مش بيطلع لهم درس العقل.
اللى بيشكك فى نظرية التطور لان ينقصها الكتير من الاثباتات .. زى اللى بيشكك فى نظرية الجاذبية لانه ماشافهاش ..

طب ما احنا سلمنا بوجود الإلكترون و البروتونات جوه الذرات .. قبل ما يظهر الميكروسكوب الالكترونى ..
و بنقدر نقيس عجلة الجاذبية وشحنة الالكترون وكتلة البروتون ..
التطور في حد ذاته حقيقة زيها زى نظريات الانفجار العظيم ( البيج بانج ) ..ونشوء النجوم .. وكتلة الإلكترون .. حاجات مش لازم نشوفها بعنينا .. بس بنعرفها بقرائنها وأدلتها اللى كلها بتصب فى نفس التصور .
أبسط مثال ممكن تشوفه للتطور هو مناعة البكتريا للمضادات الحيوية .. البكترياية اللي كان أى مضاد حيوى يقتلها .. أصبح فى ظرف شهور أو سنين قليلة نفس المضاد الحيوي مش بيأثر فيها .. وبيكون عندها مادة وراثية جديدة وبيحصلها ” انتخاب طبيعي” لما البكتريا الحساسة بتموت وبتفضل البكتريا المقاومة .. دى كائنات حية جديدة .. بصفات مختلفة ومادة وراثية مكانتش موجودة عند اسلافها .. إتكونت وسادت فى ظرف شهور أو سنين قليلة .. وانتجت جيل جديد مقاوم لنفس المضاد الحيوي .
التطور بيحتاج آلاف السنين بسبب تعقد تركيب الكائنات العليا .. ولكن إذا نظرنا للفيروسات مثلًا .. نلاقيها في تطور مستمر .. وده بسبب بساطة تكوينها .. وابسط مثال ” كوفيد-19″ .. ازاى ماكانش موجود قبل كدة وظهر السنة اللى فاتت بس .. حتى وان قلنا انه كان موجود فى الحيونات وظهوره كان بسبب انتقاله للانسان .. طيب شايفين التطور اللى حصل للنوع نفسه .. فى خلال ست شهور بين الموجه الاولى والتانية .. فيروس مختلف تماما .. قدر يطور نفسه .. ويهاجم بشكل جديد .
التطور مثبت جينيا .. علم الأحياء اصلا اسمه “علم التاريخ الطبيعي” .. ده تاريخ مش محتاج انك تشوف الواقعة بعينك علشان تصدقها ..
صناعة الأدوية كلها قايمة على التطور .. و ما كناش حنقدر نجربها على الحيوانات من غير ما نفهم التطور و نعرف اي حيوان نجرب عليه .. و اي حيوان نستخرج منه المادة الفعالة علشان نصنع منها ادويتنا .

وأخيراً .. شئنا أم ابينا .. الواقع والعلم بيقول ان نظرية التطور حقيقة مثبتة مسلم بيها .. وهى الاقرب للصحة بالرغم من قصورها فى بعض حلقاتها المفقودة .

الموضوع كبر مني .. وأصبح محتاج بوست تالت .. وهو الأهم .. ونشوف إشكالية الدين مع التطور .
نلتقى غدا .. محتاج آرائكم وتفاعلكم ..
دمتم بخير .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السحر الأبيض

مصطلح جميل من استاذ الاجيال عبدالوهاب مطاوع وهو ( التقدير ) يقول ...