بقلم أ.د محمد أحمد عمر
أستاذ الجراحة والأورام والمناظير بكلية الطب
يمتلك جسم الإنسان وسائل دفاع عديدة يكافح بها العدوى دون حاجة إلى أدوية، وذلك عبر جهازه المناعي وجلده وافرازاته المخاطية، ما يمكّنه من قهر الالتهابات، لكن حالات معينة تتطلب تناول المضادات الحيوية التي باتت شائعة جدا وتلعب دورا مهما في علاج العديد من الأمراض، وهي سلاح ذو حدين، فإن استخدمت الاستخدام الأمثل باتباع إرشادات الطبيب وتوجيهات الصيدلي كان لها أثر إيجابي وفعال، وإن استخدمت بطريقة عشوائية وأسيء استعمالها فإنها تؤدي إلى أضرار بالغة قد تودي بحياة المريض.
وللأسف هناك اعتقاد شائع بأن المضادات الحيوية يمكنها شفاء أي التهاب، لذا تجد كثيرا من المرضى يلحون على الطبيب أو الصيدلي في صرف مضاد حيوي لعلاج علتهم ومن ثم يوصف المضاد الحيوي إرضاء لهم بدلا من نصحهم وتوعيتهم بالأخطار التي قد تنجم عن تعاطيه، أو عدم جدواه كأن تكون معاناتهم من التهاب فيروسي، لا تؤثر فيه المضادات كالرشح والأنفلونزا.
ومع قدوم فصل الشتاء وكثرة الإصابة بالأمراض المعدية، يلجأ الكثيرون إلى المضادات الحيوية كعلاج سريع وفعال، دون وعي منهم بمدى خطورتها على الصحة، بل قد تؤدي إلى الوفاة أحيانًا. ولا يخفى علينا حاليا أن الكثير من الأسر المصرية تلجأ إلى الاعتماد على المضادات الحيوية اعتقادًا منها بأنها تعالج أمراض البرد وارتفاع درجة حرارة الجسم واحتقان الحلق والتهاب اللوزتين- وهي الأعراض الشائع حدوثها في فصل الشتاء، في حين أن المسبب لهذه الأمراض هو الفيروسات وليس البكتيريا. وبمجرد إحساس أحدنا بنوبة البرد أو بسخونة في جسمه، يسارع إلى الصيدليات طلبًا لتلك المضادات، متصورًا أنها تعالج كل شيء، دون أن يكون على وعي كافٍ بأنواعها المختلفة ودون استشارة طبية.
ولقد حذرت منظمة الصحة العالمية من استخدام المضادات الحيوية بشكل غير صحيح وشددت على أهمية التوعية بخطورتها. وذلك في مؤتمر عقدته مؤخرًا بالقاهرة، بمناسبة الأسبوع العالمي الثاني للتوعية حول المضادات الحيوية، تحت شعار “المضادات الحيوية.. التعامل بحرص”.
وأكدت في بيانها أن المضادات الحيوية صارت تمثل خطرًا كبيرًا يهدد صحة الإنسان، وأنها بحلول عام 2050 ستؤدي إلى وفاة 10 ملايين إنسان وذلك لأن المضادات ستصبح أقل فاعلية في قتل العدوى البكتيرية وهو ما يعرف طبيّا بمقاومة المضادات البكتيرية. وأوضحت التقارير الطبية أن أنواعًا عديدة من البكتيريا باتت تقاوم المضادات الحيوية بشراهة وتتغلب عليها، ما يجعل مشكلة سوء استخدام المضادات الحيوية تتزايد وتؤثر بشكل سلبي على الصحة، بحسب زيادة جرعات الدواء أو انخفاضها، أو مع سوء استخدامها كعلاج سواء للإنسان أو للحيوان.
وفي دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في مصر على عينة من البشر بلغت 511 شخصًا -لتوضح كيفية التعامل مع المضادات الحيوية- وُجد أن 96 بالمئة منهم تناولوا جرعات من المضادات الحيوية، كعلاج للبرد والأنفلونزا قبل ستة أشهر من بدء الدراسة. وتبين أيضًا أن 25 بالمئة منهم لم يكملوا الجرعة الكاملة من المضاد بل توقفوا عن استكمالها بمجرد شعورهم بالتحسن، كما اتضح أن 55 بالمئة من هؤلاء لا يعرفون المضادات الحيوية أصلا.
أن المضاد الحيوي في حد ذاته- ليس خطيرًا على صحة الإنسان، بل إن سوء استخدامه هو ما يضر.ومن أكثر الأخطاء الشائعة فى الوقت الحالى لجوء المريض إلى الطبيب الصيدلي، والذي بدوره يقوم بإعطاء المريض مجموعة من المضادات الحيوية كجرعة واحدة يتناولها لعلاج البرد -وتُعرف في مصر باسم “المجموعة”. كما أن الاستخدام السيئ للمضادات الحيوية، ستكون له كلفة اقتصادية باهظة، حيث سيتطلب علاج المريض الذي تناول المضاد الحيوي بشكل خاطئ، بقاءه في المستشفى لفترة طويلة، وأيضًا سيكلف الدول المزيد من الإنفاق على الأدوية المعالجة لتأثيرات المضاد الحيوي، كما أن خطر الوفاة وارد. عزيزي المريض: إن الطبيب المختص هو الذي يملك القدرة على معرفة نوع البكتيريا المسببة لمرضك ومن ثم يختار المضاد الحيوي المناسب لك والجرعة الدوائية اللازمة والشكل الدوائي الملائم.
ان معظم الأدوية التي يتعاطاها المريض تسبب آثارا جانبية غير مرغوبة، بعضها يكون أعراضا خفيفة لا تشكل خطرا على المريض وبعضها قد يهدد حياته. والمضادات الحيوية شأنها شأن باقي الأدوية قد ينجم عن استعمالها آثار جانبية بين الطفيفة والخطيرة حسب طبيعة جسم الإنسان وخصائص الدواء والجرعة المتناولة، أو أحيانا عند استخدام دواء آخر أو مع تناول أغذية معينة أو بسبب عدم التشخيص السليم أو غيرها من الأسباب.
ومن أكثر الآثار الجانبية للمضادات الحيوية شيوعا هو ظهور حساسية لأجسام بعض المرضى عند تناول نوعية من المضادات، وتختلف درجة الخطورة من شخص إلى آخر، فمنها ما هو قليل الخطورة مثل الإسهال الخفيف والقيء والحرقان الخفيف في المعدة أو طفح جلدي وهرش، ومنها ما هو أخطر من ذلك مثل الإسهال الشديد أو صعوبة التنفس، وفي هذه الحالة يجب على المريض التوقف فورا عن أخذ الدواء والاتصال بالطبيب المعالج. ومن سلبيات بعض المضادات الحيوية أيضاً أنها تقتل البكتيريا النافعة للجسم الموجودة في الأمعاء التي تحميه من استيطان البكتريا الممرضة، ما يضعف المناعة ويعرض الجسم لهجمات بكتيرية تؤدي لعدوى جديدة يصعب علاجها.كما أن بعض المضادات الحيوية تستطيع عبور الحاجز المشيمي وتصل إلى الجنين محدثة آثارا جانبية بالغة على الجنين، وخصوصا في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وكذلك بعض المضادات قد تؤثر على الرضيع من خلال لبن الأم.
عزيزى المريض عليك الالتزام بالجرعة الموصوفة وأوقاتها وإتمام مدة العلاج الكافية، وتناول كمية مناسبة من السوائل عند استخدام الأدوية عموماً والمضادات الحيوية خصوصاً ولاسيما اللبن الذي يوصى به أثناء فترات العلاج للتقليل من الآثار الجانبية على الجهاز الهضمي، كما أنه يجب بلع كبسولات المضاد الحيوى كاملة وعدم فتح محتوياتها أو مضغها لأن هذا يؤثر على امتصاص الدواء وفعاليته. كما أن المضادات الحيوية الخاصة بالأطفال يجب حفظها في الثلاجة بعد تجهيزها مع ملاحظة أن مدة صلاحيتها لا تتعدى الأسبوعين. إضافة الى وجوب الحذر عند تعاطي المضادات في حالات مرض السكري وكبار السن ولدى الأطفال ومرضى القلب وارتفاع ضغط الدم ومرضى الكبد والكلى، حيث أن الجرعات في هذه الحالات تحتاج إلى ضبط من قبل الطبيب المختص، وعند وجود حساسية سابقة من أحد المضادات الحيوية يجب على المريض إخبار الطبيب وإجراء اختبار الحساسية قبل تناوله. وننبه إلى أنه من الأفضل عند العلاج بالمضادات الحيوية عدم تعريض الجلد للشمس كثيراً، وعند تناول المضاد مع أدوية أخرى يجب إخبار الطبيب لأن تناول أكثر من دواء في الوقت نفسه قد يزيد في تأثير أحد الأدوية على الآخر مؤدياً إلى آثار جانبية خطيرة، كما قد يتسبب في إبطال أو تقليل فعالية الدواء الآخر، في حين أن استعمال أكثر من دواء يؤدي لإنتاج مركب له تأثيرات عكسية للدواء الأصلي.