د. اسامه ابراهيم
جعفرٌ، وما أدراكَ ما جعفر؟! إنَّه الرجل الذي قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “أَشبهتَ خَلقِي و خُلقي”! إنَّه المجد من طرفيه! إنه الوسيم اللبِق، الفصيحُ الداهية الذي كان رئيس المُهاجرين إلى الحبشة، وعندَ النجاشي هزمَ عمرو بن العاص داهية قُريش وسفيرها! إنه الحبيب الأثير على قلب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد صادفَ عودته من الحبشة وقتَ فتح خيبر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “لستُ أدري بأيهما أُسَرُّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر”! إنه الفارس المغوار، وقائد جيش المُسلمين بعد زيد بن حارثة يوم مُؤتة، ثُمَّ ما لبثَ أن ترجَّلَ شهيداً جامعاً المجد كله، مجد الهجرة ومجد الصُّحبة ومجد الشهادة!
أما في المدينة، فكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينقلُ للمسلمين وقائع المعركة، ويرثي قادة جيشه واحداً بعد الآخر، إلى أن أخبرهم بميلاد سيف الله المسلول الذي نفَّذ انسحاباً ما زال يُدرَّسُ حتى اليوم في الكليات العسكرية!
بكى الناس يومذاك أحبتهم، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للناس: اِصنعوا لآلِ جعفرَ طعاماً، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم!
ما أرقاه من نبي، وما أعظمه من دين: اصنعوا لآل جعفر طعاماً!
الدنيا هذه دار فقد، اليوم نُودِّعُ وغداً نُوَدَّع، واليوم نَحمِلُ وغداً نُحملُ، ولكن هذا الدين دين رحمة في الرخاء والشدة، دين تكافل ورحمة ومواساة، ولا شيء يرحم جرح الفقد أكثر من وقوف الناس إلى جانب بعضهم البعض وتراحمهم!
يُعلِّمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نصنعَ لآل الفقيد طعاماً، لأن ما نزلَ بهم من الحزن يشغلهم عن الاهتمام بهذه الأمور، والحياة سلفٌ ودَيْن!
صنعَ لنا الناس طعاماً ذات فقد، وصنعنا لهم مثل ما صنعوا لنا لحظة فقدهم، على أنَّ الأمر أبعد من طعام ولُقمة في المعدة، إنه ربْتْ على القلب المكلوم، ومسح على الصدر المحزون!
اللهم صل وسلم وبارك علي نبينا محمد.